المحرقة هي النكبة الفلسطينية
في غمرة العدوان الصهيوني الهمجي المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والذي يستعمل فيه العدو كل انواع الاسلحة الفتاكة بغية النيل من صمود الانسان الفلسطيني ووجوده فوق ارضه يسقط من جراءه عشرات الضحايا من المدنيين ثلثهم من الاطفال، وحتى الاطفال الرضّع تختطفهم آلة الموت الصهيونية من احضان ذويهم في مشهد يصعب وصف شناعته وبربريته ويعتبر سابقة في التاريخ . وسط كل هذا يخرج على وسائل الاعلام العالمية نائب وزير العدوان الصهيوني ليعلن على الملأ بتبجح لا يليق بانسان حضاري تهديده للشعب الفلسطيني بالمزيد من "المحارق" وهو التعبير الصهيوني لكلمة "المجازر" التي يعرّفها القانون الدولي بالقتل الجماعي المنظم بدم بارد لمجموعة من الناس. ومهما حاول بعد ذلك الاعلام الصهيوني الموجّه الى المنظومة الغربية تهذيب الكلمة الى "الكوارث" فهذا لن يستر نية القتلة من قادة العدو بما يبيتون من ابادة جماعية لشعبنا الفلسطيني.
ولست هنا بصدد تفسير تعبير "المحرقة" الذي استعمله هذا الصهيوني.. وكل الشعب الفلسطيني اينما كان واينما حل على دراية تامة بما ترتكبه الحركة الصهيونية من اعمال وحشية منذ ان جلبت يهود العالم الى بلادنا وأنشأت هذا الكيان المسخ في ليلة ظلماء نام فيها الضمير العالمي ولم يستيقظ لحتى الآن...لقد ذهب العالم المتحضر في غيبوبة واغمض عينيه عن كارثة اقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه ودفعه الى مخيمات الشتات ليعيش حياة البؤس والشقاء، الامر الذي بدا وقتها ان اوروبا المسؤولة عن قتل يهودها على يد النازية الالمانية تريد مكافأة ضحاياها بوطن لعلها من خلاله تستطيع غسل ايديها من الجريمه ولتتمكن من محو عقدة الذنب تجاه محرقة اليهود من ذاكرتها.
لقد ارادت اوروبا محو آثار محرقة اليهود فكان ان اوجدت سبيلا لمحرقة اخرى ما زالت شواهدها حية على ارض فلسطين التاريخية.
الاقتلاع الكبير لشعبنا من وطنه التاريخي عام 1948 والذي اصطلح على تسميته في قواميسنا العربية بتعبير"النكبة" باعتقادي هو ما يوازي تعبير "المحرقة" لدى اليهود. ولكن لا يمكن موازاة حجم معاناة اليهود التي لحقها الكثير من التزوير والمبالغة بأعداد الضحايا بحجم المعانا ة الفلسطينية الهائلة والمستمرة لحتى الآن بشهادة دماء الانسان الفلسطيني المتواجد في الجغرافيا المقطعة داخل وخارج الوطن المحتل.
لقد مضى على النكبة ستون عاما... ما يعني ان المحرقة الفلسطينية تستمر منذ ستين عاما من خلال كرة النار الصهيونية المتدحرجة بشكل ممنهج مستهدفة كل قيامة لمجتمع فلسطيني مقاوم يقوم هنا او هناك. والشواهد هنا اكثر من ان تحصى لو ان الذاكرة اتجهت قليلا صوب الجنوب اللبناني وبيروت التي شهدت مجزرة صبرا وشاتيلا والى تونس وثم الى جنين ورام الله وغزة ذاتها وفي كل مكان كانت الدماء الفلسطينية تسيل بغزارة والمجتمع الدولي لا يستطيع من خلال مجلس الامن ان يدين القاتل وينصف الضحية... اذ عالم تقوده الولايات المتحدة الامريكية لا بد ان يبتلع لسانه في كل مرة تقترف فيها آلة القتل الصهيونية جرائم حرب بحق الانسان الفلسطيني.
امام مشهد محرقة غزة ان حديث الحرية والديمقراطية والحضارة والتقدم الذي تحب قارة اوروبا والولايات المتحدة الامريكية تكراره ودمغ ثقافتهما به يظل حديث فارغ المضمون ولا يمر على شعوب العالم المضطهدة وخاصة شعوبنا العربية ما لم يسمي الاشياء بمسمياتها ، وان مصطلح المحرقة يجوز ايضا عندما تكون الضحية فلسطينية والقاتل يهوديا وعليهم ان ان يحييوا في ضمائر اطفالهم رهافة الحس الانساني عندما يروا الدم الفلسطيني نازفا على يد اليهود. ولكن الذي لايجوز ان يظل ضحايا النازية يبتزون العالم ويقترفون المحرقة تلو المحرقة على ارض محرقة دائمة هي نكبتنا المستمرة.