مقارنة: حرب غزة ولبنان

لقد فشلت إسرائيل في عدوانها على شمال غزة في تحقيق أي من الأهداف التي تحدث عنها قادتها المدنيون والعسكريون. فبدلا من تأليب الشعب في غزة ضدّ حركة حماس زادت من شعبيتها، بل إنها زادت من وحدة الشعب الفلسطيني، حيث خرجت مظاهرات فتحاوية صاخبة في الضفة العربي وقطاع غزة، وخارج فلسطين، تندد بإسرائيل وتطالب محمود عباس بوقف المفاوضات بين سلطة رام الله وبين حكومة إسرائيل. كما فشلت في تدمير مواقع ومخازن الصواريخ التي السبب في هذه الحرب.

وكان هناك شبه إجماع في وسائل الإعلام الإسرائيلية على فشل الغزو والمطالبة بالدخول في حوار مع حركة "حماس". ولم تأت هذه المواقف من الجانب اللبرالي او اليساري فحسب، بل أيضا من جانب بعض المحللين اليمينيين.

وهذا لا يعني أنه لم تكن هناك أصوات أخرى تطالب حكومة إسرائيل بالسماح للجيش الإسرائيلي بالقيام بإكتساح شامل للقطاع وإعادة إحتلاله، بل إن بعضهم ذهب إلى أبعد من ذلك حيث طالب بتفريغ أجزء كاملة من القطاع من سكانها وطردهم إلى ما وراء الحدود، على غرار ما حدث أثناء نكبة عام 1948.

ولكن قادة الجيش الإسرائيلي لم يكونوا على إستعداد للمجازفة في الدخول بحرب أرضية شاملة والتي قد يكون ثمنها باهظا جسديا وحتى ماديا وإعلاميا. كما أن أبعاد حرب حزيران/ يونيو 2006 في لبنان لا تزال حية لدى هؤلاء القادة. وهناك تشابه كبير بين غزة ولبنان ظهرت في كتابات عدد من الكتاب والمحللين الإسرائيلييين. فقد نشر في صحيفة "معاريف"(4/3/2008) مقالا عنوانه "غزة مثل لبنان".

ووجه الشبه موجود رغم إختلاف التكافوآت بين حزب الله وحركة "حماس". فالأسلحة التي يملكها حزب الله أكثر تفوقا. ولكن إسرائيل لم تستطع أن تتوغل أكثر من عدة كيلومتلرات داخل الأراضي اللبنانية، ولم تستطع فرض سيطرتها على أي من تلك الأراضي، السبب هو المقاومة التي واجهتها.

وفي غزة حدث نفس الشيء حيث توغلت القوات الإسرائيلية إلى مسافة كيلو متر واحد داخل أراضي غزة، وواجهت مقاومة عنيفة مما حدى بقادتها إلى عدم المراهنة على مغامرة عسكرية. وقد أنعكس ذلك على مقالات بعض المحللين الإسرائيليين، فنشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" (4/3/2008) مقالاً مطولا يقول أن الجيش الإسرائيلي قد أخفق أمام صواريخ القسام. ووصف هذه الحرب كمثل حرب لبـنــان "لقد كانت هذه الحرب حربا غبية وحمقاء ولم نكن بحاجة لها" يقول كاتب المقال.

واستعملت إسرائيل سلاح جوها المتفوق ضدّ لبنان وغزة، وألحقت خسائر بالأرواح من طفلة عمرها يومين إلى عجوز في خريف عمرها وشيخ مقعد وشباب في مقتبل العمر. ثم إضطرت على الإنسحاب دون تحقيق أي هدف يذكر. بل ان فشلها الذريع تجسد في عدم تدميرها لمواقع الصواريخ الفلسطينية، وهو نفس الفشل الذي حدث في لبنان، هذا الهدف الذي كانت ترمي من ورائه حكومة أولمرت إقناع سكان بلدتي سدروت وعسقلان وغيرهما من المواقع التي وصلتها الصواريخ الفلسطينية، أنهم أصبحوا بمأمن من هذه الصواريخ.

وعجز إسرائيل على وقف الصواريخ ليس حديث العهد، فقد أنطلق أول صاروخ فلسطيني يوم 16 نيسان/أبريل 2001 ومرت سبع سنوات كانت المقاومة الفلسطينية ترد على الإعتداءات الإسرائيلية بقصف مواقع وأهداف داخل ما يسمى بالخط الأخضر.
وبرهنت الحربان غزة ولبنان أن إسرائيل خسرت ما كانت تتبجح به خصوصا في أعقاب حرب 1967 وهو ما عرف عند الإسرائيليين بـ "ضربة قاضية وانتهى الأمر".

الشيء المؤلم هو موقف قيادة رام الله الفلسطينية والقيادات العربية، من المحرقة التي أعلنت إسرائيل أنها تريد أن تنفذها في غزة. فمحمود عباس لم يعلن عن وقف التفاوض مع إسرائيل إلا بعد أن وصل عدد الشهداء الفلسطينيين إلى أكثر من مائة شهيد والجرحى بالمئات. أما القادة العرب فكالعادة إدانة كلامية فقط.

ولكن الأكثر إيلاما كان موقف بعض المسؤولين الفلسطينيين خصوصا وزير الإعلام الذي حمّل "حماس" المسؤولية دون أن يأخذ بحسابه ماذا كان يحدث قبل وصول "حماس" للحكم أو ما يحدث الآن من قتل وتدمير في الضفة الغربية وتحت أنظاره هو. وكذلك هؤلاء "المثقفين" الذين يظهرون على الفضائيات ويقولون "من لا يستطيع أن يقاتل فيجب أن لا يطلق صواريخ" بمعنى إذا إعتدى عليك شخص فلا تدافع عن نفسك. وهذه هي ثقافة الهزيمة بعينها